الدعاء

 

قلت المدون تم بحمد الله ثم قلت :سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين اللهم تقبل واستجب /كتاب صفة الجنة -الحافظ ضياء الدين-أأبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي/د.عبد الغفار سليمان البنداري

Translate

الثلاثاء، 11 أبريل 2023

15. فضيلة من فضائل ليلة القدر/د.أحمد مصطفى متولي

15. فضيلة من فضائل ليلة القدر/د.أحمد مصطفى متولي

مُقَدِّمَةٌ

الحمدُ لله اللطيفِ الرؤوفِ المَنَّانِ، الْغَنِيِّ القويِّ السِّلْطَان، الحَلِيمِ الكَرِيم الرحيم الرحمن ، المحيطِ عِلْمَاٍ بما يكونُ وما كان، يُعِزُّ وَيُذِلُ، ويُفْقِرُ ويُغْنِي، كلَّ يَوْم هُو في شان.

أحْمَدُه على الصفاتِ الكاملةِ الحِسَان، وأشكرُه على نِعَمِهِ وبَالشَّكرِ يزيد العطاء والامْتِنَان، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له المَلِكُ الدَّيَّان، وأشهد أنَّ محمداً عَبْدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ إلى الإِنس والجان، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعينَ لهم بإحسان ما توالت الأزمان، وسلَّم تسليماً.

١٥ فَضِيلَةً مِنْ فَضَائِلِ لَيْلَةِ القَدْرِ

1- اصطفاء الله تعالى لليلة القدر

قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } [القصص:68]

إذا تأملت أحوال هذا الخلق؛ رأيت أن هناك حكمة من اصطفاء الله تعالى بعض المخلوقات والشهور والأيام والليالي على بعض، وهذا يدل على ربوبية الله ووحدانيته، وكمال حكمته وعلمه وقدرته، وأنه يخلق ما يشاء ويختار.

فخَلَقَ الله السموات سبعاً، فاختار العليا منها فجعلها مستقر المقرَّبين من الملائكة، واختصها بالقرب من كرسيه ومن عرشه، وأسكنها مَن شاء من خلقه.

وخلق الله الجِنان واختار منها جنَّة الفردوس، وفضَّلها على سائر الجنان، وخصَّها بأن جعل عرشه سقفها، وقد جاء في "صحيح البخاري" من حديث أبى هريرة  رضى الله عنهُ  أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال:

"إن في الجَنَّة مائة درجة، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيله، كلُّ درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسئلوه الفردوس، فإنه أوسط الجَنَّة وأعلى الجَنَّة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجَّر أنهار الجَنَّة".

ـوخلق الله الملائكة واصطفى منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وكان النبي  صلى الله عليه وسلم  يفتتح صلاته إذا قام من الليل فيقول: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اُختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي مَن تشاء إلي صراطٍ مستقيم"(( [1]))

فذكر هؤلاء الثلاثة من الملائكة لكمال اختصاصهم واصطفائهم وقُرْبِهم من الله.

وخلق الله الخلق واصطفى منهم الأنبياء، ثم من الأنبياء الرسل، ثم اختار من الرسل أولي العزم وهم الخمسة المذكورين في قوله تعالى:  {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [الأحزاب:7]، ثم اختار من أولي العزم محمداً  صلى الله عليه وسلم  فهو سيد ولد آدم، ومن هذا اختياره سبحانه ولد إسماعيل من أجناس بن آدم، ثم اختار منهم بني كنانة من خزيمة، ثم اختار من ولد كنانة قريشاً، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختار من بني هاشم سيد ولد آدم محمداً  صلى الله عليه وسلم

وكذلك اختار الله تعالى لنبيه أصحابه من جملة العالمين، واختار منهم السابقين الأوَّلين، واختار منهم أهل بدر وأهل بيعة الرضوان.

واختار الله تعالى أمة النبي على سائر الأمم.

فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن علي  رضى الله عنهُ  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : "أعطيتُ ما لم يعطَ أحدٌ من الأنبياء: نصرتُ بالرعب، وأعطيتُ مفاتيح الأرض، وسُمِّيتُ أحمد، وجُعِلَ التراب لي طهوراً، وجُعِلَت أمتي خير الأمم".

واختار الله لهم من الدين أكمله، ومن الشرائع أفضلها، ومن الأخلاق أزكاها وأطيبها وأطهرها، ووهبها الحلم والعلم ما لم يهبه لأمَّةٍ سواها

ومن هذا اختياره سبحانه وتعالى البلد الحرام من سائر البلدان، فإنه سبحانه وتعالى اختاره لنبيه، وجعله مناسك لعِبادِه، وأوجب عليهم الإتيان إليه من كل فجٍّ عميق، فلا يدخلونه إلا متواضعين متخشِّعين متذلِّلين، كاشفي رءوسهم، متجرِّدين عن لبـاس أهل الدنيا، وجعله حرماً آمناً، لا يُسْفَك فيه دمٌ، ولا يُقْطَع به شجرة، ولا ينفر له صيدٌ، ولا يختلي خلاه – أي: لا يقطع نباته الرطب -، وهذا كلُّه سرُّ إضافته إليه سبحانه وتعالى {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ}[الحج:26]، فاقتضت هذه الإضافة الخاصة من هذا الإجلال والتعظيم والمحبة ما اقتضته

وكذلك اصطفى الله تعالى واختار بعض الأيـام والشهور على بعض، فخير الأيـام عند الله يوم  النحر: وهو يوم الحج،  كما في "السنن" وعند الإمام أحمد: "أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر" وقيل: يوم عرفة أفضل منه، وهذا هو المعروف عند أصحاب الشافعي قـالوا: لأنه يوم الحج الأكبر وصيامه يُكفِّر سنتين، وما من يوم يعتقُ اللهُ فيه الرقابَ أكثر منه في يوم عرفة"

وكذلك فضَّل الله تعالى يوم الجمعة، والعشْر الأيام الأُوَل من ذي الحجة على سائر الأيام

فهذا خلق الله وهذا هو اختياره، كما قال تعالى:  {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } [القصص:68]

ومن ذلك تفضيل شهر رمضان على سائر شهور العام، وتفضيل العشر الأواخر على سائر الليالي، وتفضيل ليلة القدر على جميع الليالي فهي خير من ألف شهر([2]).

2- تسميةُ سورة من القرآن الكريم باسمها (القدر):

قال الله تعالى في كتابه الكريم ((إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ))( [3]) .

3- تعظيم الله سبحانه وتعالى لها ولشأنها:

حيث قال سبحانه : (( لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ))

وهي ليلة القدر والشرف والعزة والكرامة لأن الله أعلى فيها منزلة نبيه، وشرف الإنسانية برسالة السماء الكبرى خاتمة الرسالات وقد جاء هذا التصريح بشرفها وعلو مكانتها حيث يقول الله: وما أدراك ما ليلة القدر؟ لا أحد يعرف كنهها، ولا يحيط أحد بفضلها إلا بما سأذكره عنها، ليلة القدر خير من ألف شهر، ولا غرابة فالليلة التي ابتدأ الله فيها نزول القرآن هي ليلة مباركة فيها يفرق ويفصل كل أمر حكيم لأنه من الحكيم الخبير، أليست هذه الليلة خيرا من ألف شهر، بل هي خير ليلة في الوجود، وأسمى وقت في الزمن وبالطبع العمل فيها خير من العمل في غيرها ألف مرة(( [4])).

وهي الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن الكريم إلى السماء الدنيا كما قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وسمّاها ليلة القدر لعظم شأنها وعلو قدرها، ولأنها ليلة مباركة ذات منزلة عظيمة، وقدر رفيع، شرفها الله بنزول القرآن، فكانت أشرف الليالي، لأن الأزمنة تشرف وتعظم بما يقع فيها من أحداث جليلة، وقد أنعم الله على عباده في هذه الليلة بنزول القرآن الذي هدى الله به البشرية إلى ما فيه سعادتها وخيرها ونجاتها، فكان أعظم نعمة في أشرف ليلة، ولهذا سماها ليلة القدر. ويقال سميت بذلك لما يقدر فيها وما يكتبه الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة كما أفاده النووي([5])

قال العلامة السعدي :

وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية.

ثم فخم شأنها، وعظم مقدارها فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم(( [6])).

قال سيد قطب: والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري (( وما أدراك ما ليلة القدر ))

فهي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن . وإضافة هذا النور على الوجود كله

وإسباغ السلام الذي فاض من روح الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية

وبما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وتصور وشريعة وآداب تشيع السلام في الأرض والضمير .

وتنزيل الملائكة وجبريل عليه السلام خاصة ، بإذن ربهم ، ومعهم هذا القرآن باعتبار جنسه الذي نزل في هذه الليلة وانتشارهم فيما بين السماء والأرض في هذا ( النزول الكريم ) ، الذي تصوره كلمات السورة تصويراً عجيباً. (( [7]))

4-لَيْلَةُ الْقَدْرِ ليلة مباركة:

قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾([8])

{فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} أي: كثيرة الخير والبركة وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام على أفضل الأنام، بلغة العرب الكرام لينذر به قوما عمتهم الجهالة وغلبت عليهم الشقاوة فيستضيئوا بنوره ويقتبسوا من هداه ويسيروا وراءه فيحصل لهم الخير الدنيوي والخير الأخروي([9])

5-لَيْلَةُ الْقَدْرِ نزل القرآن الكريم فيها:

يقول تعالى مبينًا لفضل القرآن وعلو قدره: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} وذلك أن الله  تعالى ، ابتدأ بإنزاله في رمضان في ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرًا(( [10])).

قال العلامة ابن كثير :

يخبر الله تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر، وهي الليلة المباركة التي قال الله، عز وجل: (( إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ))( [11]) وهي ليلة القدر، وهي من شهر رمضان، كما قال تعالى: (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ))( [12]) .

قال ابن عباس وغيره :

أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العِزّة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .( [13])

6- العمل الصالح فيها خير من العمل الصالح في ألف شهر(( [14])) (أكثر من ثلاثة وثمانين سنة)

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [خالية منها] ، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث من تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة(( [15])).

ولفضل هذه الليلة كانت العبادة فيها تفضل غيرها من نوعها بأضعاف مضاعفة إذ العمل تلك الليلة يحسب لصاحبه عمل ألف ليلة أي ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. هذا ما دل عليه قوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}([16])

قال الإمام الطبري رحمه الله:

"عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر" ([17])

7- مَنْ نَالَ خَيْرَهَا فَهُوَ المفلحُ ومَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ ))( [18])

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ ))( [19])

وقال سفيان الثوري : بَلَغني عن مجاهد : ليلةُ القدر خير من ألف شهر. قال: عَمَلها، صيامها وقيامها خير من ألف شهر( [20])

قوله: (أتاكم) أي جاءكم (رمضان) أي زمانه وفي رواية أحمد لما حضر رمضان. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاءكم رمضان (شهر مبارك) بدل أو بيان والتقدير هو شهر مبارك وظاهره الأخبار أي كثر خيره الحسي والمعنوي كما هو مشاهد فيه (تفتح فيه) استئناف بيان وهو بصيغة المجهول وبالتأنيث في الأفعال الثلاثة وبتخفيف الفعلين ويشددان (أبواب السماء) وفي رواية أحمد المذكورة أبواب الجنة (وتغل) بتشديد اللام من الأغلال. قال في القاموس: أغل فلاناً أدخل في عنقه أو يده الغُلّ وهو مفرد جمعه أغلال (فيه مردة الشياطين) يفهم من هذا الحديث إن المقيدين هم المردة فقط، فيكون عطف المردة على الشياطين في الحديث المتقدم عطف تفسير وبيان، ويحتمل أن يكون تقييد عامة الشياطين بغير الأغلال والله أعلم. (لله فيه) أي في ليالي رمضان على حذف مضاف أو في العشر الأخير منه (ليلة خير من ألف شهر) أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر (من حرم) بتخفيف الراء على بناء المفعول (خيرها) بالنصب وهو يتعدى إلى مفعولين يقال حرمة الشيء كضربه وعمله حرماناً أي منعه إياه والمحروم الممنوع أي من منع خيرها بأن لم يوفق لا حياء والعبادة فيها (فقد حرم) أي منع الخير كله كما سيجيء صريحاً ففيه مبالغة عظيمة. والمراد حرمان الثواب الكامل أو الغفران الشامل الذي يفوز به القائم في أحياء ليلها([21]).

8 - مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ([22])

(إيماناً أي تصديقاً بوعد الله عليه بالثواب.

(واحتساباً) أي طلبه للأجر والثواب من غير رياء وسمعة، فنصبهما على المفعول له. وقيل: على الحال مصدران بمعنى الوصف أي مؤمناً بالله ومصدقا بأن هذا القيام حق وتقرب إليه معتقداً فضيلته ومحتسياً بما فعله عند الله أجراً، مريداً به وجه الله، لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص. وقيل: منصوبان على التمييز، يقال: فلان يحتسب الإخبار أي يتطلبها، ويقال: احتسب بالشيء أي اعتد به.

(غفر له ما تقدم من ذنبه) أي من الصغائر من حقوق الله. وقال الحافظ: ظاهره يتناول الصغائر والكبائر، وبه جزم ابن المنذر. وقال النووي: المعروف عند الفقهاء أنه يختص بالصغائر، وبه جزم إمام الحرمين، وعزاه عياض لأهل السنة. قال بعضهم: ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة- انتهى ([23])

قال ابن بطال: "ومعنى قوله: ((إيماناً واحتساباً)) يعني مُصدِّقاً بفرض صيامه، ومصدقاً بالثواب على قيامه وصيامه، ومحتسباً مريداً بذلك وجه الله، بريئاً من الرياء والسمعة، راجياً عليه ثوابه"  ([24])

قال النووي: "معنى إيماناً: تصديقاً بأنّه حق، مقتصد فضيلته، ومعنى احتساباً: أن يريد الله تعالى وحده، لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص، والمراد بالقيام: صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها"  ([25])

قال الخطابي: احتسابًا أي عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه، طيبة نفسه بذلك، غير مستثقل لصيامه، ولا مستطيل لأيامه. قال ابن الأثير: الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر.  أي المبادرة إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، وباستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المشروع؛ طلبا للثواب ونجاة من العقاب.(غفر له ما تقدم من ذنبه): قال النووي: إن المكفرات إن صادفت السيئات تمحوها إذا كانت صغائر، وتخففها إذا كانت كبائر، وإلا تكون موجبة لرفع الدرجات في الجنات. فمَن صام الشهر مؤمنا بفرضيته، محتسبا لثوابه وأجره عند ربه، مجتهدا في تحري سنة نبيه صلى الله عليه وسلم  فيه فهو من أهل المغفرة.

قال العلامة ابن عثيمين:

"هذه الليلة خُصَّت بفضلها هذه الأمة، فكانت لها، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عُرضت عليه أعمار أمته فتقاصرها، فأعطي ليلة القدر وجعلت هذه الليلة خيرا من ألف شهر، فإذا كان الإنسان له عشرون سنة، صار له عشرون ألف سنة في ليلة القدر، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة.

والله تعالى خص هذه الأمة وخص نبيها صلى الله عليه وسلم بخصائص لم تكن لمن سبقهم، فالحمد لله رب العالمين." ([26])

9- إِحْيَاءُ لَيْلَةِ القَدْرِ والعَشْرِ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ.. مِنْ هَدْىِ النَّبِيِّ العَدْنَان:

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ([27])»([28])

10 - الدُّعَاءُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ هَدْىِ النَّبِيِّ  صلّى الله عليه وسلّم:

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: " قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعَفُ عَنِّي "([29]).

(أرأيت) أي أخبرني

(إن علمت) جوابه محذوف يدل عليه ما قبله

(أي ليلة) مبتدأ خبره (ليلة القدر) والجملة سدت مسد المفعولين لعلمت تعليقاً. قيل: القياس أية ليلة فذكر باعتبار الزمان كما ذكر في قوله صلى الله عليه وسلم أي أية من كتاب الله معك أعظم باعتبار الكلام واللفظ

(ما أقول) متعلق بأرأيت

(فيها) أي في تلك الليلة. وقال الطيبي: ما أقول فيها جواب الشرط وكان حق الجواب أن يؤتى بالفاء، ولعله سقط من قلم الناسخ وتعقب عليه القاري بأن دعوى السقوط من قلم الناسخ ليست بصحيحة. وقد جاء حذف الفاء على القلة

(إنك عفو) بفتح العين المهملة وضم الفاء، وتشديد الواو صيغة مبالغة أي كثير العفو

(تحب العفو) أي ظهور هذه الصفة (فاعف عني) فإني كثير التقصير وأنت أولى بالعفو الكثير، وفيه دليل على استحباب الدعاء في هذه الليلة بهذه الكلمات([30])

قال سفيان الثوري: والدعاء في تلك الليلة أحب من الصلاة، وذكر ابن رجب أن الأكمل الجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر، ويحصل قيامها -على ما قال البعض- بصلاة التراويح([31])

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:

تقول عائشة للرسول صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقت أو علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.

والعفو: هو المتجاوز عن سيئات عباده، وهو سبحانه وتعالى عفو قدير، يعني يعفو مع المقدرة، ليس كبني آدم إذا عجز عن الشيء سامح، إنما يعفو مع القدرة جل وعلا، وهذا هو كمال العفو، وهو سبحانه وتعالى يحب العافين عن الناس، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، وهو سبحانه يحب الذين يأخذون من الناس العفو، بل أمر بذلك فقال: {خذ العفو وأمر بالعرف} .

قال العلماء: معنى العفو يعني خذ ما عفي من الناس، يعني ما سهل منه خذه ولا تشد الحبل، فخذ العفو واترك ما وراء ذلك، وهذا من آداب القرآن أن الإنسان يكون واسع الصدر لبني آدم يأخذ العفو، فالشاهد أن أفضل ما تدعو به تقول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني والله الموفق ([32])

11 -  لَيْلَةُ الْقَدْرِ تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا:

قال تعالى (( تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ))

إنها تتنزل فيها الملائكة- وخاصة جبريل المكلف بالوحي- يتنزلون فيها بإذن ربهم من كل أمر حكيم على النبي صلّى الله عليه وسلّم فأول عهد النبي بشهود الملائكة وجبريل معهم كان في تلك الليلة التي تنزلت الملائكة من عالمها إلى عالم الأرض، نزلوا بالوحي على رسول الله. وهذه الليلة ليلة سلام وأمان ولا غرابة ففيها ابتدأ نزول القرآن مصدر الإسلام ومبدأ السلام([33])

الملائكة تتنزل فيها وجبريل معهم بإذن ربهم أي ينزلون بإذن الله تعالى لهم وأمره إياهم بالنزول ينزلون مصحوبين بكل أمر قضاه الله وحكم به في تلك السنة من خير وشر من رزق وأجل([34])

وصح الحديث بكثرة أعداد الملائكة في هذه الليلة

عن أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ :

(( إِنَّهَا لَيْلَةُ سَابِعَةٍ أَوْ تَاسِعَةٍ وَعِشْرِينَ ، إِنَّ الْمَلائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى ))( [35])

12 -  لَيْلَةُ الْقَدْرِ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ:

كما وصفها الله تعالى بأنها ((سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)) وهذا يدل على ما فيها من خير عميم وبركة عظيمة ، وفضل ليس له مثيل

قال قتادة وابن زيد في قوله : (( سَلامٌ هِيَ )) يعني هي خير كلها، ليس فيها شر إلى مطلع الفجر.

{سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أي هي سلام من كل شر إذ هي كلها خير من غروب الشمس إلى طلوع فجرها إنها كلها سلام سلام الملائكة على العابدين من المؤمنين والمؤمنات وسلامة من كل شر([36]).

واختلفوا في تفسير هذه الآية على أقوال:-

فقيل: سلام من الشر كله، فلا يكون فيها إلا السلامة، وقيل: تنزل الملائكة في هذه الليلة تسلم على أهل الإيمان، وقيل: لا يستطيع الشيطان أن يمسَّ أحداً فيها بسوء، وقيل غير ذلك.

عن الشعبي في قوله تعالى: { مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } قال: تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر

وقال قتادة وابن زيد في قوله: {سَلامٌ هِيَ} يعني هي خير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر([37])

13 -  لَيْلَةُ الْقَدْرِ يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام:

حيث قال تعالى: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ ([38])

أي: يفصل ويميز ويكتب كل أمر قدري وشرعي حكم الله به، وهذه الكتابة والفرقان،  الذي يكون في ليلة القدر أحد   الكتابات التي تكتب وتميز فتطابق الكتاب الأول الذي كتب الله به مقادير الخلائق وآجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وأحوالهم، ثم إن الله تعالى قد وكل ملائكة تكتب ما سيجري على العبد وهو في بطن أمه، ثم وكلهم بعد وجوده إلى الدنيا وكل به كراما كاتبين يكتبون ويحفظون عليه أعماله، ثم إنه تعالى يقدر في ليلة القدر ما يكون في السنة، وكل هذا من تمام علمه وكمال حكمته وإتقان حفظه واعتنائه تعالى بخلقه([39])

وقوله فيها يفرق كل أمر حكيم أي في تلك الليلة المباركة يفصل كل أمر محكم مما قضى الله أن يتم في تلك السنة من أحداث في الكون يؤخذ ذلك من كتاب المقادير فيفصل عنه وينفذ خلال السنة من الموت والحياة والغنى والفقر والصحة والمرض والتولية والعزل فكل أحداث تلك السنة تفصل من اللوح المحفوظ ليتم احداثها في تلك السنة حتى إن الرجل ليتزوج ويولد له وهو في عداد من يموت فلا تنتهي السنة إلا وقد مات([40])

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات)، ثم قرأ هذه الآيةوقال: (يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة)  ([41])  وقال أبو عبد الرحمن السلمي في الآية: "يُدَبِّر أمر السنة في ليلة القدر" ([42])

وقال مجاهد: "كنا نحدّث أنه يفرق فيها أمر السنة إلى السنة" ([43])

ونقل القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنه: "يحكم الله أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أو موت أو رزق، وقاله قتادة ومجاهد والحسن وغيرهم، وقيل: إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران ؛ قاله ابن عمر"  ([44])  واختُلف في الليلة المراد بها في الآية على قولين:

القول الأول: أنها ليلة القدر. وهو قول ابن عباس  ([45])   وأبي عبد الرحمن السلمي ([46])   وقتادة  ([47])   ومجاهد ([48])   والحسن البصري  ([49])

القول الثاني: أنها ليلة النصف من شعبان. وهو مروي عن عائشة  ([50])   وعكرمة  ([51])

ونرجح ما قاله ابن جرير الطبري: "وأولى القولين بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر؛ لما تقدم من بياننا عن أن المعنيّ بقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ} ([52])   ليلة القدر، والهاء في قوله: {فِيهَا} من ذكر الليلة المباركة" ([53])

قال ابن رجب – رحمه الله :

روي عن عكرمة وغيره من المفسرين في قوله تعالى: { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}([54])

أنها ليلة النصف من شعبان، والجمهور: على أنها ليلة القدر، وهو الصحيح. اهـ

وقال الحافظ ابن كثير: "... ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما رُوي عن عكرمة فقد أبعد النُجعة، فإنّ نص القرآن أنّها في رمضان. والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إنّ الرجل لينكح ويولد له، وقد أخرج اسمه في الموتى))  ([55])  فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص" ([56])

14- لَيْلَةُ الْقَدْرِ لا يخرج الشيطان معها:

عن عبادة بن الصامت رضى اللهُ عنه عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: "ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ"([57]).

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما-: "في تلك الليلة تُصفَّد مردة الجن، وتُغلُّ عفاريت الجن وتفتح فيها أبواب السماء كلها ويقبل الله فيها التوبة لكل تائب "([58])

وقال مجاهد: "هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء ولا يحدث فيها أذى"([59])0

وقال أيضاً: "لا يُرسَل فيها شيطان ولا يحدث فيها داء" 0

15- تحري ليلة القدر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم:

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ من رَمَضَان»([60]) .

وعن ابْن عُمَرَ رضى اللهُ عنهُ قال:سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ فَقَالَ:(تحَرَّوْها فِي السَّبْعِ الأواخر من رمضان)([61])

ليلة القدر في ليالي شهر رمضان ، ويمكن التماسها في العشر الأواخر منه ، وفي الأوتار خاصة ، والصحيح أن ليلة القدر لا أحد يعرف لها يوماً محدداً ، فهي ليلة متنقلة ، فقد تكون في سنة ليلة خمس وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة إحدى وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة تسع وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة سبع وعشرين ، ولقد أخفى الله تعالى علمها ، حتى يجتهد الناس في طلبها ، فيكثرون من الصلاة والقيام والدعاء في ليالي العشر من رمضان رجاء إدراكها ، وهي مثل الساعة المستجابة يوم الجمعة .يقول البغوي رحمه الله تعالى : وفي الجملة أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا بالعبادة في ليالي رمضان طمعاً في إدراكها .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ تَكُونُ مُنْتَقِلَةً فِي سَنَةٍ فِي لَيْلَةٍ، وَفِي سَنَةٍ أُخْرَى فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى، وَهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: إِنَّمَا تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَنْتَقِلُ أَبَدًا، وَعَلَى هَذَا قِيلَ: هِيَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلِّهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِالْأَوْتَارِ مِنَ الْعَشْرِ اهـ. وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِالسَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَعَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ([62]).

قوله: (تحروا) بفتح التاء والحاء والراء المهملتين أمر من التحري وفي رواية التمسوا وكل منهما بمعنى الطلب والقصد لكن معنى التحري أبلغ لكونه يقتضي الطلب بالجد والاجتهاد

(ليلة القدر) قال في النهاية أي تعمدوا طلبها، والتحري القصد والاجتهاد في الطلب، والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول-انتهى.

(في الوتر) أي في ليالي الوتر

(من العشر الأواخر من رمضان) فيه دليل على أن ليلة القدر منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه، ثم في أوتاره لا في ليلة منه بعينها. وقد تقدم أنه القول الراجح([63]

تولَّـى العمر  في سهو

 

وفي لهو وفي خمر

فيـا  ضيعة مـا أنفقت

 

في الأيام من عمري

وما لي في الذي ضيَّعت

 

من عمري من عُذر

فما أغفلنا عن واجبات

 

الحمـد  والشـكـر

أمـا قـد خصَّنـا الله

 

بشهـر أيَّمـا شهر

بشهر أنزل  الرحمـن

 

فيـه أشرف الذكـر

وهـل  يشبهه  شـهر

 

وفيـه ليـلة القـدر

فكم مـن خـبر صحَّ

 

بما فيهـا من  خير

رويـنـا عن ثقـات

 

أنها تُطْلَب في الوتر

فطـوبـى  لامـرئ

 

يطلبها في هذه العشر

ففيها تَنَزَّل الأمـلاك

 

بالأنــوار  والبـرِّ

وقد قـال: سلام هي

 

حتـى  مطلع  الفجر

ألا  فادَّخِرهـا  إنها

 

مـن  أنفس  الذخر

فكم من مُعتَقٍ  فيها

 

من النـار ولا يدري

وَأَخِيرًا

إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَحْظَى بِمُضَاعَفَةِ هَذِهِ الأُجُورِ وَالحَسَنَاتِ فَتَذَكَّرْ قَوْلَ سَيِّدِ البَرِّيَّاتِ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»([64])

فَطُوبَي لِكُلِّ مَنْ دَلَّ عَلَى هَذَا الخَيْرِ واتَّقَى مَوْلَاهُ، سَوَاءً بِكَلِمَةٍ أَوْ مَوْعِظَةٍ اِبْتَغَى بِهَا وَجْه اللهِ، كَذَا مِنْ طَبْعَهَا([65]) رَجَاءَ ثوابها وَوَزَّعَهَا عَلَى عِبَادِ اللهِ، وَمَنْ بَثَّهَا عَبْرَ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ، أَوْ شَبَكَةِ الإِنْتِرْنِت العَالَمِيَّةِ، وَمِنْ تَرْجَمَهَا إِلَى اللُّغَاتِ الأَجْنَبِيَّةِ، لِتَنْتَفِعَ بِهَا الأُمَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ، وَيَكْفِيهُ وَعْدُ سَيِّدِ البَرِّيَّةِ:: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ» ([66])

أَمُوتُ وَيَبْقَى كُلُّ مَا كَتَبْتُه    فيَالَيْتَ مَنْ قَرَأَ دَعَا لَيَا

عَسَى الإِلَـــــــهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنَى      وَيَغْفِرَ ليِ سُوءَ فَعَالِيا

كَتَبَهُ

 

أَبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ أَحْمَدُ مُصْطَفَى

dr_ahmedmostafa_CP@yahoo.com

(حُقُوقُ الطَّبْعِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ عَدَا مَنْ غَيَّرَ فِيهِ أَوْ اسْتَخْدَمَهُ فِي أَغْرَاضٍ تِجَارِيَّةٍ)

*****

الفِهْرِسُ

مُقَدِّمَةٌ

١٥ فَضِيلَةً مِنْ فَضَائِلِ لَيْلَةِ القَدْرِ

1- اصطفاء الله تعالى لليلة القدر

2- تسميةُ سورة من القرآن الكريم باسمها (القدر):

3- تعظيم الله سبحانه وتعالى لها ولشأنها:

4-لَيْلَةُ الْقَدْرِ ليلة مباركة:

5-لَيْلَةُ الْقَدْرِ نزل القرآن الكريم فيها:

6- العمل الصالح فيها خير من العمل الصالح في ألف شهر() (أكثر من ثلاثة وثمانين سنة)

7- مَنْ نَالَ خَيْرَهَا فَهُوَ المفلحُ ومَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ :

8 - مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ :

9- إِحْيَاءُ لَيْلَةِ القَدْرِ والعَشْرِ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ.. مِنْ هَدْىِ النَّبِيِّ العَدْنَان:

10 - الدُّعَاءُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ هَدْىِ النَّبِيِّ  صلّى الله عليه وسلّم:

11 -  لَيْلَةُ الْقَدْرِ تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا:

12 -  لَيْلَةُ الْقَدْرِ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ:

13 -  لَيْلَةُ الْقَدْرِ يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام:

14- لَيْلَةُ الْقَدْرِ لا يخرج الشيطان معها:

15- تحري ليلة القدر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم:

وَأَخِيرًا

الفِهْرِسُ

 

 

(( [1]))(أخرجه مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها -)

 

(( [2]))(زاد المعاد:1/42-65 ) باختصار

( [3])  سورة القدر .

(( [4]))التفسير الواضح (3/ 886-887)

([5])منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (3/ 244)

 

(( [6]))تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 931)

(( [7]))الظلال (6/3945)

([8]) (الدخان: 3)

([9])تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 771)

(( [10]))تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 931)

( [11]) الدخان (3)

( [12]) البقرة (185)

( [13]) تفسير ابن كثير (4/598)

(( [14]))(ليس بينها ليلة القدر)

(( [15]))تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 931)

([16])أيسر التفاسير للجزائري (5/ 598)

([17])تفسير الطبرى : جـ24 صـ534 طبعة مؤسسة الرسالة بيروت0

( [18])  رواه النسائي في الصيام (2079) ، وأحمد (6851) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (55) .

( [19])  رواه ابن ماجه في الصيام باب ما جاء في فضل رمضان (1634) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2247) .

( [20]) رواه ابن جرير

([21])مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 415)

([22])متفق عليه، رَوَاهُ البُخَارِىُّ (1802) باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية، مُسْلِمٌ (760) باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، واللفظ له.

([23])(مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 314-315)

([24]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/59).

([25])  شرح صحيح مسلم للنووي (6/39). وانظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (3/112).

 

([26]) (شرح رياض الصالحين (5/222))

([27]) قولها: "إذا دخل العَشْر"؛ أي: العَشْر الأواخر من رمضان.

قولها: "شدَّ مِئْزَرَه"، (شد الإزار): عبارة عن الجد والمبالغة في الأمر، وهو عبارة أيضًا عن ترك المجامعة.

قولها: "وأَيقظَ أهلَه"؛ أي: أَيقظَ أهلَه للعبادة وطلب ليلة القَدْر في العَشْر الأواخر. (المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 55))

([28]) متفق عليه، رَوَاهُ البُخَارِىُّ (1920) باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، ومُسْلِمٌ (1174) باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان، واللفظ له.

أحيا الليل: أي: استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها.

وأيقظ أهله: لصلاة الليل.

وجد وشد المئزر: أي: جد في العبادة زيادة على العادة، وشد المئزر: كناية عن اعتزال النساء.

([29])رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُالأباني في المشكاة (2091)

([30])مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 134)

([31])فتح المنعم شرح صحيح مسلم (5/ 63)

([32])شرح رياض الصالحين (5/ 223-224)

 

([33])التفسير الواضح (3/ 887)

([34])أيسر التفاسير للجزائري (5/ 598)

( [35])  رواه أحمد (10316) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5472) .

([36])أيسر التفاسير للجزائري (5/ 598)

([37])تفسير ابن كثير : جـ4 صـ650 0

([38])(الدخان: 4)

([39])تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 771)

([40])أيسر التفاسير للجزائري (5/ 7)

([41])  رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (22/10) وعبد الله بن أحمد في السنة (2/407) وانظر الدرّ المنثور (5/739)

([42])    رواه الطبري في تفسيره (22/9)

([43])   المصدر السابق

([44])    تفسير القرطبي (16/126)

([45])    تفسري ابن أبي حاتم (10/3287) وانظر الدر المنثور (5/738) ومعاني القرآن للنحاس (6/396-397)

([46])    تفسير الطبري (22/9)

([47])    تفسير الطبري (22/9)

([48])   تفسير الطبري (22/9)

([49])   تفسير الطبري (22/8)

([50])   انظر: الدرّ المنثور (5/740)

([51])   تفسير الطبري (22/10) وابن أبي حاتم (10/3287) والبغوي (7/228)

([52])  الدخان:3

([53])   تفسير الطبري (22/10-11)

([54])سورة الدخان : الآية : 4 0

([55])  رواه الطبري في تفسيره (22/10) والبيهقي في شعب الإيمان (7/422-423).

([56]) .  تفسير ابن كثير (4/138).

([57])أخرجه أحمد فى مسنده - مسند الأنصار-  حديث عبادة بن الصامت - حديث:‏22173‏ وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم 5472 0

([58])فتح القدير : للإمام الشوكانى جـ5 صـ473 طبعة دار الفكر بيروت 0

([59])تفسير ابن كثير : جـ4 صـ650 0

([60])رَوَاهُ البُخَارِيّ وهو في المشكاة برقم (2083)

([61]) صحيح أبي داود (1253)

([62])مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1436)

 

([63])مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 122)

 

([64]) رواه مسلم:133

([65]) أى هذه الرسالة

([66]) رواه الترمذى وصححه الألباني في صحيح الجامع : 6764

 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفرق بين التفريق في سورة الطلاق 5 أو 6هـ والتسريح في سورة البقرة العام1 و2هـ والمغزي من إقامة الشهادة لله في أحكام الطلاق.

  الفرق بين التفريق في سورة الطلاق 5 أو 6هـ والتسريح في سورة البقرة العام1 و2هـ 👈 وإن إقامة الشهادة لله في أحكام   الطلاق لها مغزيين ...